View this site in:   English   |   العربية

الشرق الأوسط الجديد: المرأة في صلب البيئة الريادية - الجزء السادس

 

دروس مستفادة هي حقًّا، استقيتها من سلسلة المقالات هذه. ففي خضمّ فترة التحوّل العظيم الذي يشهده الشرق الأوسط اليوم، لم يسعني إلاّ الشعور بالإلهام والإجلال أمام شركات ناشئة تكنولوجية زرتها والتقيت فيها النساء البارزات اللواتي يلعبن دورًا جوهريًّا في إدارتها.

استمرّت الدروس بعدها من خلال التعليقات وردّات الفعل الكثيرة التي تلقّيتها، إذ شعر البعض أنّي انتقصت من أهميّة تحديّات كبيرة ما زالت المرأة تواجهها في المنطقة، فيما اعتبر البعض الآخر أنّ مجرّد كتابة هذه النصوص قد ضخّم من شأنها. إلاّ أنّ ردود الفعل كلها توحدت حول قدرة هؤلاء الرياديات على إلهام الآخرين. وهنّ لسْنَ إلاّ عيّنة صغيرة لكن كافية لتذكيرنا بالتغيير الكبير الحاصل في المنطقة وفي أسواق هي في طور النموّ حول العالم.

تردّد على مسمعي باستمرار سؤال واحد قد يكون الخاتمة المثلى لهذه السلسلة: إن كان تأثير هؤلاء النساء في المنطقة مهمّ للغاية، هل أي من هذه الرياديات استطاعت القيام بابتكار أو توسّع عالميّ؟

لنكن واضحين: إنّ مصطلح "ابتكار" غير دقيق. في الغرب غالبًا ما نستخدم "الابتكار" للإشارة إلى التكنولوجيا الحديثة، أمّا في البلدان التي هي في طور النموّ، فإنّ مجرّد النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات للمرّة الأولى على صعيد واسع هو شكل من أشكال الابتكار. وفيما يبتكر الرياديون المنتجات حول تلك التكنولوجيا ويوجّهونها إلى الأسواق المحليّة بتكلفة توزيع متدنيّة للغاية، سرعان ما يصبح اللاعبون الإقليميّون مسوّقين عالميين، فلا تفصل بينهم وبين السوق العالمية إلاّ خطوة صغيرة.  

كلّ إمرأة من هذه السلسلة "رياديّة" عالميّة، فاللغة العربية محكيّة في أي رقعة من العالم، والأفكار المطروحة تعالج المتطلّبات العربية، أمّا المنصّات المبتكرة فتطبّق عالميًّا وتتوفّر على بعد نقرة واحدة ولأيّ لغة، أكانت المنصّات تهدف إلى المساعدة على إيجاد توازن حياتيّ، إلى تأمين نفاذ مفتوح إلى المنتجات عبر التجارة الإلكترونية الإقليمية، أو إلى توفير التواصل والتعهيد الجماعي عبر شبكات التواصل الإجتماعي.

إنّما، وبالطبع، يبدأ بعض الرياديون بالتفكير عالميًّا من الخطوة الأولى.

---

فازت خلال مسابقة معهد ماساتشوستس للتقنية MIT لأفضل خطّة أعمال في الشرق الأوسط هذه السنة، هند حبيقة، شابّة لبنانية تخرّجت مهندسة ميكانيكية من الجامعة الأمريكية في بيروت، وهي أيضًا سبّاحة تنافسيّة من الطراز الأوّل. هند إبنة أستاذين جامعيين، ظنّت يومًا أنّها ستصبح مديرة تنفيذية في إحدى الشركات العالمية الكبرى من مثال "بروكتر أند جامبل" Proctor & Gamble. إلاّ أنّها عدلت عن ظنّها واختارت تأسيس شركة بناءً على منتج كانت بنفسها تحتاج إليه، ما يجعل شغفها حقيقيًّا وعميقًا.

حين كانت عضوًا في فريق السباحة الرسمي التابع للجامعة، كانت تشعر بنوع من الإحباط بعد كلّ تدريب وسباق إذ لم تستطع قياس دقّات قلبها إلاّ بجسّ النبضات بيدها. في تلك الفترة، بدأت تتوفّر في السوق أجهزة مراقبة سرعة القلب، أجهزة وجدتها هند مزعجة وغير مناسبة.

تشرح هند في هذا الصدد أنّ "أيًّا من تلك الأجهزة لم يكن فعلاً ملائمًا ومكيّفًا مع حركة الجسم عند السباحة. جرّبتُ الساعات والأحزمة الخارجيّة الخاصّة بمراقبة سرعة القلب لكنّي وجدتها معيقة للحركة، يستحيل معاينتها ومتابعة نتائجها خلال التمرين". ثم كانت الفكرة... ماذا لو تمكّنت من ابتكار نموذج قابل للتركيب والدمج في أي نوع من نظّارات السباحة؟ فيقوم الجهاز برصد سرعة القلب وبعرضها في اللحظة ذاتها على عدسة النظّارة بدرجات ألوان: الأزرق خلال فترة حرق الدهون، الأخضر في فترة اللياقة والأحمر في فترة الأداء الأقصى. أجابت هند بنفسها عن سؤالها من خلال تأسيس شركة "باترفلا آي" Butterfleye.

دعِيت هند للمشاركة في برنامج تلفزيوني واقعي يُصوّر في قطر، وهو عبارة عن مسابقة تمتدّ على فترة أربعة أشهر وعنوانها "ستارز أف ساينس" أو "نجوم العلوم" Stars of Science، حيث حسّنت الشابّة نموذجها، كما قدرتها على الصبر. "كنت العنصر النسائي الوحيد في المسابقة من أصل خمسة متبارين في النهائيّات. رغم ذلك، رفض بعض الرجال التحدث إليّ أمام الكاميرا لأنّهم لم يردوا أن يراهم أحد يعملون مع امرأة ويتفاعلون معها"، وفق ما تذكر الشابّة جيّدًا.

أثبتت هند للجميع أنّهم على خطأ. حلّت "باترفلا آي" ثالثة في المسابقة ونالت منذها الجوائز والتقديرات واهتمام المستثمرين. وقد تكفّلت بالجولة الإستثمارية الأولى إحدى كبرى الإستثمارات التأسيسة في المنطقة: "بيريتيك فاند" Berytech Fund.

آية بدير مهندسة وفنّانة تفاعليّة معروفة عالميًّا، ناشطة في بيئة الشرق الأوسط الريادية التكنولوجية. انضمّت إلى فريق "نجوم العلوم" بصفتها مرشدة في مجال التصميم، ثم أصبحت مرشدة هند التي تعتبر أنّ "آية قدّمت لي مكانًا للعمل والدعم المعنوي في الوقت الذي لم يكن لدي أدنى فكرة عن الخطوة التالية. لا شكّ أنّها وأمّي كانتا الشخصين الأساسيين في مسيرتي."

وفقًا لـ هند، "كان من الواضح أنّ الأمور كانت تتطوّر بسرعة بالنسبة لرياديي المنطقة، لكن كان أيضًا واضحًا منذ البداية أنّ "باترفلا آي" ستتحوّل إلى منتج عالميّ. السباحة رياضة شعبيّة في الشرق الأوسط، وفي الولايات المتحدة وأستراليا وأوروبا، ثمة أكبر عدد من السبّاحين في العالم، ناهيك عن الأشخاص المتنبّهين لمسائل الصحّة ومهووسي التكنولوجيا!"

وإذ بهند تشكّل فريقًا عالميًّا: "نظرًا إلى تطويرنا أداة تكنولوجية تتيح للرياضيين مراقبة تدريباتهم باستمرار، نحن نستخدم بشكل مكثّف عناصر إلكترونية، متحكّمات صغريّة، بالإضافة إلى العمل بالتشفير وبواجهة شبكة الإنترنت. فريقي موزّع بين لندن، فرنسا، هولندا ودبي، لذا أمضي 90% من نهاري على سكايب Skype!"

تضع الشركة اليوم اللمسات الأخيرة على التصميم وتستعدّ لشحن المنتج إلى مصنّعي الأدوات الرياضية بحلول نهاية السنة.

---

تنوي المسؤولة الإعلامية الأردنية فدى طاهر استعمال التكنولوجيا لتعريف العالم إلى أفضل المأكولات في الشرق الأوسط. أسست طاهر شركة "زيتونة" Zaytouneh في أواخر العام 2011، بهدف تقديم أكبر موسوعة عالميّة لدروس الطبخ القصيرة والمصوّرة، عبر منصّات كثيرة، منها مواقع إنترنت وتطبيقات للهواتف الذكيّة. أضف إلى أنّ طاهر تنوي إنتاج مقاطع فيديو قصيرة من ثلاث دقائق تصوّر تحضير الطعام الإقليمي المحلّي خطوة خطوة، ثم ترجمتها ودبلجتها إلى كلّ لغات العالم.

فدى المتخصّصة في الإنتاج التلفزيوني حملت دائمًا في داخلها شغفًا للطبخ والأطباق الإقليمية. كانت أمّها رائدة في تأسيس شركة من أكبر شركات تأمين الطعام في الأردن. وقد لاحظت فدى أنّ "معظم وصفات تحضير الطعام على الإنترنت مصدرها المستخدمون، ويصعب متابعتها وتكون نوعيّتها رديئة. أمّا نحن، فنصوّر باستخدام تقنية عالية الدقة ممّا ينتج نوعيّة ممتازة. وبما أنّ اليدين فقط ظاهرتان في الفيديو، تسهل الدبلجة في أي لغة، وبتكلفة عمليّة متدنيّة للغاية. في الإطار نفسه، من الصعب إيجاد وصفات شرقيّة جيّدة مكتوبة، ومن النادر مشاهدة وصفات جيّدة مصوّرة بالفيديو، حتى على أفضل المواقع الإلكترونية المخصّصة للوصفات والمتوفّرة في معظمها باللغة الإنكليزية."

الإنطلاق كرائدة أعمال حمل معه ثلاثة تحديات واضحة، كما تذكر هند، "فأوّلاً، يشعر بعض الرجال بالرهبة أمام امرأة قويّة، وثانيًا (سأحاول أن أعبّر بأسلس طريقة ممكنة)، يعتبر البعض الآخر أنّ علاقة العمل مع المرأة يجب أن تتحوّل إلى علاقة شخصيّة، ونهايةً، يحطّ بعض الرجال من شأن المرأة بشكل عام ويظنّ أنّهنّ غير قادرات على تقديم نتائج جيدة. لكن هذا الواقع السلبي ليس دائمًا سلبيًّا، بل على العكس. فأنا أفتخر لكوني أدافع عن حقوق المرأة وأؤمن بضرورة مكافحتنا لنيل الحقوق المتساوية على جميع الأصعدة، الاجتماعية منها، والاقتصادية والسياسية."

علاوةً على حصد التقديرات العالية عبر المسابقات الإقليمية للشركات الناشئة، تحظى "زيتونة" إلى اليوم بـ 35 ألف متابع ومعجب عالميًّا على "فايسبوك" Facebook، وهي في صدد إعداد 120 وصفة على شكل فيديو في الشهر الواحد. كسبت "زيتونة" جولة استثمار تأسيسي من الشركة الحاضنة الأردنية الأولى "أويسيس 500" Oasis500، واليوم تتخطّى بعائداتها الأهداف الأوليّة، وهي في صدد تلقي جولة استثمار أولي خلال عام 2013.

---

مديرة الإستثمار لدى "أويسيس 500" سلوى خدخودة تسرّ لما تشهده يوميًّا على الساحة المحليّة والإقليمية والعالمية على مستوى الشركات الناشئة التي تؤسسها المرأة في الشرق الأوسط. وقد عملت أيضًا كمحلّلة ماليّة دوليّة ومستثمرة أردنيّة ومؤسِسة وصاحبة امتياز لمركز لياقة بدنية للأطفال، ما يجعل وجهة نظرها مهمّة وواسعة حول التطوّرات الحاليّة.

تعتبر سلوى أنّ "المرأة لطالما واجهت تحديات فعليّة صعبة، من التفرقة الجنسيّة وغياب التوازن في النمط المعيشي، إلى غياب شخصية مثلى يقتضى بها، فضلاً عن نفاذ محدود إلى الأساسيات الحياتيّة كنظام تنقّل فعّال. غير أنّ الإنترنت حوّل فرصنا وبدّلها على نحو يوفّر فرص عمل أكثر مرونة (أعمال حرّة، وظائف عن بعد أو من المنزل). فذلك لا يتطلّب إلاّ رأس مال منخفض ويسمح للمرأة بأن تكون ربّة عملها. أصبحت اليوم كلّ أنواع الموارد حَرفيًّا بمتناول اليد، ومجّانًا وبتكلفة متدنّية."

ولا زلنا في بداية الطريق.

كريستوفر شرودر مبادر تكنولوجي ومستثمر مغامر يعدّ حاليًّا كتابًا حول المؤسسات الناشئة في الشرق الأوسط.

نشر باللغة الانجليزية على موقع "باندو دايلي" pandodaily هنا.

[الرسمة من هالي بايتمن]

 

Publications Christopher has been featured in

المنشورات التي تحدثت عن خبرات كريستوفر وأعماله